الليل الطويل

هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
الليل الطويل

مجموعات الابداع والمبدعين برامج ألعاب قصة شعر فن رياضة مقالات طرائف من العالم نكت أغاني نغمات موبايل مقاطع فيديو مضحكة


    ضوابط عامة في تربية الأبناء

    avatar
    المبدعة


    عدد المساهمات : 159
    نقاط : 429
    تاريخ التسجيل : 09/05/2009

    ضوابط عامة في تربية الأبناء Empty ضوابط عامة في تربية الأبناء

    مُساهمة من طرف المبدعة الثلاثاء يونيو 02, 2009 7:25 am

    قال الله عز و جلّ : "ووالد وما ولد، لقد خلقنا الإنسان في كبد" البلد، آيتان 3-4. أقسم الله سبحانه بالوالد وما ولد، لأن ذرية الإنسان إذا صلحت عمرت بها الأرض، وإذا فسدت سعت في خرابها حرثا ونسلا. ولهذا فالإنسان مسؤول أمام الله عزّ و جلّ عن ذرّيّته يربيها ويوجّهها ويرعاها. قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : "كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته..." رواه الشيخان. وقد وعى الأنبياء والصّالحون والمؤمنون الذين تنوّر فهمهم بنور الوحي وتصدّوا لتربية الأمم والأجيال والأفراد أن الهداية وإن تكن من الله فإنها منوطة بالبشر الهداة إلى الله على علم وبيّنة من سبيله.

    وعلى مستوى أدقّ (وهذا موضوعنا) فإن تربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الوالدين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "ما من مولود إلاّ يولد على الفطرة، ثم يقول فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم" و زاد البخاري "فأبواه يهوّدانه أو ينصّرانه أو يمجّسانه".

    من هنا نفهم أن الله عزّ و جلّ خلق الإنسان على فطرة سويّة مسلمة، وإنما هما أبواه يعترضان فطرته إما بكفرهما فيكفر، أو يربّيانه –كما تربيا في مجتمعهما- على الوهن، فينشأ غثاء كغثاء السيل لا يلبث أن تداعى عليهم الأمم.


    وإنه ما من سبيل للخروج بأبناء هذه الأمة من غثائية السيل إلا بتربية إحسانية تبتغي رضى الله عزّ وجلّ في وسائلها وغاياتها، وواقعية تنطلق عن علم وبصيرة بأرضيتها وبمعيقات سيرها. يقول الله عزّ وجلّ : "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرّيّة ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا" آل عمران.

    واليوم... والعالم أصبح قرية صغيرة في ظل العولمة والثورة الرقمية، أصبح سؤال التربية يطرح نفسه بإلحاح شديد أكثر من أي وقت مضى. ففي الساحة تزاحمنا أفكار مغرّبين انبهروا بدعوات حقوق الطفل، وبما حققه الغرب الذي عقمت أرحامه فسنّ قوانين وشرائع تشجع النّسل -نسله- وتهتم به ماديا وتربويا، ثم نظروا إلى أممهم فوجدوا الطفل آخر اهتماماتها.

    فماذا يمكن أن تقدّم هذه الصحوة المباركة، بمختلف حركاتها، جوابا عن سؤال التربية معنى وهدفا ووسيلة ؟


    يقول الله عزّ وجلّ على لسان الصالحين من عباده : "الذين يقولون ربّنا هب لنا من أزواجنا وذرّيّاتنا قرّة أعين واجعلنا للمتّقين إماما" الفرقان. ويقول الأستاذ عبد السلام ياسين : "في ذاتنا نجد، لا في غيرنا. تصنع المؤمنات أجيالا كثيرة العدد عالية النوعية علينا واجب تغذيتها ورعايتها الصحية وتعليمها وربطها وجوديا بالقرآن وبالنموذج النبوي، ثم تعبئتها في جهاد مستمرّ لتبني من بعدنا مستقبل الأمّة الشّاهدة على الناس بالقسط" تنوير المؤمنات ج2.

    الأسرة المرتبطة أول اللّبنات في بناء المجتمع السليم. فالأبناء قرّة أعين الآباء وبهذه المحبّة لا يرضون لهم منزلة أدنى من إمامة المتّقين.. سباق إلى الخيرات.

    إنّ الأجيال المنشودة عالية الجودة نتاج تربية سليمة تعتبر الطفل كائنا ذا حقوق خاصة في الرّعاية كحقّه في التعبير عن نفسه وانفعالاته ومشاعره تجاه ما يحيط به دون أن ينافي ذلك المحبّة المتبادلة. ودور المربي الناجح أن يعلّم الطفل صغيرا أفضل الطرق في التعبير وبذلك يضمن منه حين يكبر أن يبني معه والناس علاقة متينة أساسها الأمان والثقة المتبادلة. ألم تقم فتاة كعاب في مجلس رسول الله بين يدي كبار الصحابة والصحابيات حين نهاهم رسول الله عن إفشاء سرّ ما بين الأزواج بعد أن يفضوا إلى بعضهم، فأحجموا جميعهم بينما تقول الفتاة : والله يا رسول الله إنّهم ليفعلونه وإنهن ليفعلنه. فما نهرها رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا طلب إليها إحضار أبويها.

    والتربية السليمة تقتضي أيضا نهج وسائل وطرائق سليمة واضحة وواقعية، فقد يغرق الآباء في اتهام أبناء هذا الجيل بالجحود والعصيان ويكون السبب راجعا إليهم، إذ يتركون مجال التربية محكوما بردود الأفعال ولا يتحمّلون مسؤولياتهم في المتابعة والاهتمام بأبنائهم.

    من المفيد جدا أن تكون أهداف المربي واقعية ومعقولة لا خيالية ولا مبالغ فيها. فالآباء الذين يقنعون بما دون الكمال ويشجّعون أبناءهم رغم ما يجدون لديهم من تعثر يوفرون على أنفسهم الكثير من الاصطدام والإحباط. ومن أنجح وسائل التربية السليمة أقترح ما يلي :




    • وضع ضوابط منظّمة ومرنة داخل الأسرة، وأهمّها أن يختصّ الوالدان باتخاذ القرارات في تربية أبنائهم وفق ما يصلح للأسرة دون ترك المجال للغريب ولا للقريب أن يتدخل في هذه العملية إلاّ بإذنهم. فالطفل المدلل المائع الذي يحصل دوما على ما يطلب يصبح مع الوقت عدوّ نفسه، لأن غياب الحدود والضوابط في حياة الأولاد يجعلهم في حيرة من أمرهم فيشعرون بانعدام السكينة والاستقرار ، ويحرمون من فرصة اكتشاف أنفسهم وذلك من الأمور الأساسية في حياة الإنسان.



    • التأديب بتحمّل المسؤولية : وهذه مشكلة أغلب الآباء إذ يلجئون للتأديب إما بالعقاب أو بالمكافأة، لكنهم لا يجدون لذلك كثير تأثير في سلوك أبنائهم على المدى البعيد، فيتعلمون تحمّل مسؤولية أعمالهم وتبعاتها. بل يجد الآباء أنفسهم مضطرّين إلى إرغامهم على القيام بواجباتهم تحت ضغط العقاب أو مضطرّين إلى مكافأتهم عن كل واجب يقومون به. وهذا لا ينافي التشجيع أو المراقبة الحازمة بل هما لازمتان من لوازم التربية على المسؤولية.



    • حسن الاستماع و التوجيه: يحزن كثير من الآباء لأن أبناءهم لا يتحدّثون إليهم بشكل كاف ولا يعلمون من أعمالهم الخاصة إلا ما يطلعونهم أو ما يطّلعون عليه بأنفسهم بطريقة أو بأخرى.

    يعيش الطفل في بيئة متوتّرة.. بيت ضيق وأم منهكة من العمل خارج البيت وداخله وأب يستهلكه البحث عن الرّزق مما لا يدع له مجالا للانفتاح على أبنائه.. فهل يكفي لتربية الأبناء أن نكدّ لإطعامهم وإيوائهم وتدريسهم. يكبر الطفل ويصبح مراهقا فلا يجد داخل بيته من يصغي لأفكاره ويفهم مشاعره إلاّ مراهق غضّ التجربة مثله، وحينما تشتدّ حاجته لوالديه يتقدّمان له في أحسن الأحوال بنصائح لا تكون في الغالب مفيدة أو مؤثّرة، فيمعنون في إبعاده عنهم بما يستعملون من النصائح والمساءلة والتحقيقات والتهديدات وربّما حتى الاستهزاء.


    • التصميم الدائم على النّجاح : فالتربية عملية مستمرّة بدوام طرفيها : الآباء والأبناء. والضمان الأول لنجاحها هو استمداد العون من الله عزّ و جلّ لبناء علاقة ملؤها الحب والحنان، ثم تخصيص كل مرحلة من مراحل نمو الأبناء بما يلزمها من الرّعاية كما علمنا رسول الله صلى الله عليه و سلم أن نلاعب الطفل سبعا ثم نؤدبه سبعا ثم نصاحبه سبعا، وبعد أن يستقر في نفسه شعوره بقيمته الذاتية كإنسان كرّمه الله عزّ و جلّ ومسئوليته تجاه ذلك حينها نطلق الحبل على الغارب ثقة في الله وفي توجيه رسول الله صلى الله عليه و سلم.

    هذا وإن الكلام في هذا الباب يطول، وخلاصته أن التربية أمانة أنيطت بنا لنرعاها والأولاد نعمة أعطيناها لنشكرها. ومن شكرها تربيتهم وتنشئتهم تنشئة صالحة. فنكون لهم الصحبة الهادية نشجعهم ونربي فيهم مهارات المبادرة وروح المسؤولية حتى تثمر جهودنا رجالا ونساء تساهم في تغيير مجتمعنا لنجعل منه مجتمعا أكثر أمنا وعدلا.

    لقد كان هدفنا من هذا الموضوع الأول هو إثارة الموضوع في عمومياته ليس إلا،على أن نقف في المواضيع المقبلة إن شاء الله مع الإشكالات الواقعية لا النظرية التي يواجهها الوالدان في تربية أبنائهم، مع محاولة إيجاد الحلول الناجعة لها حتى يكون الأبناء عملا صالحا لوالديهم، وذخرا نافعا لأمتهم. والحمد لله رب العالمين.

      الوقت/التاريخ الآن هو الجمعة نوفمبر 22, 2024 9:17 am